Website logo
۱۴۴۶/۰۸/۱۷ - 11:32
مشاهده ۶۶

خطاب معالي الدكتور عراقجي، وزير الشؤون الخارجية الموقر للجمهورية الإسلامية الإيرانية

.

                                                 بسم الله الرحمن الرحيم


في المؤتمر الثامن للمحيط الهندي – مسقط، 28 بهمن 1403 (16 فبراير 2025)

أصحاب المعالي، الحضور الكرام، الأصدقاء الأعزاء،

نجتمع اليوم في أرض عُرفت لقرون طويلة بأنها جسر يربط بين الشرق والغرب، وبين الحضارات العظيمة والشعوب البعيدة والقريبة. إن عمان، مضيفتنا الكريمة، لم تكن منذ القدم مجرد لاعب اقتصادي فحسب، إنما كانت رمزًا للتفاعل والحوار والدبلوماسية البناءة في منطقة المحيط الهندي. هذه المنطقة، التي كانت دائمًا في مسار التحولات العالمية، لا تزال اليوم تلعب دورًا حاسمًا في مستقبل الاقتصاد الدولي.

لقد كانت البحار عبر التاريخ دوماً بوابات للتواصل بين الحضارات أكثر من أن تكون مجرد حدود جغرافية. فالمحيط الهندي، منذ آلاف السنين، لم يكن مجرد مسطح مائي، بل كان طريقًا رئيسيًا للتجارة وتبادل الثقافات والتنمية الحضارية. هذا الطريق ربط التجار من سواحل الهند بأفريقيا، ومن جزر إندونيسيا بالخليج الفارسي، ومن إيران إلى البحر الأحمر. وفي زمن كانت الطرق البرية طويلة وغير آمنة، كان هذا المحيط هو الذي يربط الاقتصادات الناشئة ويخلق فرصًا جديدة.

إلا أن عالم اليوم يشهد تغيرات جذرية. فسرعة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، واعتماد الدول على طرق تجارية جديدة، والحاجة إلى الأمن والتعاون الإقليمي أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. في ظل هذه الظروف، لم يعد بإمكاننا الاكتفاء بالمسارات التقليدية وأنماط التجارة القديمة. بل يجب علينا رسم مستقبل يكون فيه المحيط الهندي ليس مجرد ممر عبور، بل محورًا للتعاون الاستراتيجي والاقتصادي. وهذه هي الفلسفة الكامنة وراء عنوان مؤتمر هذا العام: "الرحلة نحو آفاق جديدة من الشراكة البحرية". هذا العنوان ليس مجرد شعار، بل يعكس ضرورة تاريخية لجميع دول المنطقة.

إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إدراكًا منها لهذا التحول، جعلت من "السياسة البحرية" أولوية استراتيجية في تنميتها. فإيران، التي تمتلك أكثر من 5800 كيلومتر من السواحل، منها 4900 كيلومتر جنوبي البلاد على امتداد هذا المحيط الواسع، لا يمكنها أن تبقى غير مبالية بمستقبل هذه المنطقة. إن تطوير الاقتصاد البحري ليس مجرد خيار لإيران، بل هو إلزام لها. لقد أدركنا أن سواحلنا ليست مجرد حدود طبيعية للبلاد، بل هي بوابات اتصالنا بالاقتصاد العالمي. ولذلك، وضعت الحكومة الرابعة عشرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية خطة شاملة وعملية لتطوير الموانئ، والنقل البحري، وإنشاء سلسلة إمداد إقليمية.

وفي هذا السياق، تحتل سواحل مكران موقعًا استراتيجيًا مميزًا. هذه السواحل، التي ظلت لفترات طويلة مهملة رغم إمكانياتها الطبيعية والاقتصادية، أصبحت اليوم واحدة من أولويات التنمية الوطنية. ينبغي أن تتحول "جنة مكران المفقودة" إلى مركز اقتصادي لمستقبل إيران والمنطقة. واستنادًا إلى هذه الاستراتيجية، حددت الحكومة الإيرانية أربعة أهداف رئيسية لتطوير هذه المنطقة:

أولاً تعزيز الاقتصادات المحلية والوطنية، وخلق فرص عمل مستدامة للمجتمعات المحلية القاطنة في تلك المناطق، ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تمكنهم من لعب دور في سلسلة الإمداد الإقليمية.

ثانياً تطوير البنية التحتية للطاقة، مع التركيز على الطاقة المتجددة. لقد أدركنا أن اقتصاد المستقبل يعتمد على الطاقة المستدامة والنظيفة. فالاستثمار في التقنيات الجديدة للطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر الأحفورية ليس مجرد ضرورة بيئية، بل هو أيضًا وسيلة لتعزيز التنافسية الاقتصادية لهذه المنطقة.

ثالثاً إكمال الممرات الدولية وتعزيز طرق المواصلات. يعد إنشاء شبكة من الطرق الحديدية والبرية والبحرية التي تربط إيران بالدول الأخرى في المنطقة وما بعدها أحد الركائز الأساسية لسياستنا البحرية.

رابعاً جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية كقوة دافعة للتنمية الاقتصادية. لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو دون استثمارات مستدامة، وإيران ترحب بجميع الدول التي ترغب في المشاركة في تنمية هذه المنطقة.

لكن لا يمكن تحقيق أي من هذه الخطط دون أمن مستدام. إن الأمن البحري أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد العالمي. والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب دورها الاقتصادي والتجاري، تتحمل أيضًا مسؤولية ضمان أمن الملاحة البحرية. فالبحرية الإيرانية، بالتعاون مع دول المنطقة، تواصل المشاركة بفعالية في عمليات مكافحة القرصنة، ومكافحة تهريب المخدرات، والجرائم المنظمة، وتأمين النقل البحري.

نحن نؤمن بأن أمن البحار يجب ألا يكون أداة للضغط أو النفوذ من قبل القوى الأجنبية، بل يجب أن يكون نتيجة للتعاون بين دول المنطقة. وفي الوقت نفسه، لا يمكن لأي دولة أن تمضي بمفردها في طريق التنمية الاقتصادية. فالتعاون الإقليمي هو المفتاح لتحقيق التقدم المشترك.

إن إيران، من خلال عضويتها في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي (IORA) ومن خلال مشاركتها في اجتماعات القوات البحرية لهذه الرابطة (IONS)، تؤكد التزامها بالتعددية والتعاون الاقتصادي والأمني في المنطقة.

لكن هناك تحديًا كبيرًا: بعض القوى الخارجية تسعى إلى استغلال الانقسامات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، والتأثير على التعاون الطبيعي بين دولها. لا يمكننا السماح للمنافسات الجيوسياسية للقوى العالمية بأن ترسم مستقبل هذه المنطقة. ينبغي أن يكون قرار مصير المحيط الهندي بيد دوله، ومن أجل مصالح شعوبه.

وفي الختام، يسعدني أن يُعقد هذا المؤتمر في سلطنة  عمان الصديقة والشقيقة، التي كانت دائمًا رمزًا للتفاعل والحوار والدبلوماسية البناءة في المنطقة. نحن نؤمن بأنه ومن خلال التعاون والثقة المتبادلة فقط، يمكننا بناء مستقبل مستدام لشعوب هذه المنطقة.

آمل أن يكون هذا المؤتمر بداية لمرحلة جديدة من التعاون البحري والإقليمي، مرحلة يحل فيها التعاون محل التفرقة، والتنمية محل المنافسات الهدامة.

شكرًا لكم على حسن استماعكم.

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است