أخبار المجموعة:أحدث الأخبار
كلمة المتحدث باسم الخارجية في مراسم إحياء الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة
ألقى إسماعيل بقائي، المتحدث الرسمي ورئيس مركز الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، كلمة في مراسم إحياء الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة. كلمة إسماعيل بقائي، المتحدث الرسمي ورئيس مركز الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مراسم إحياء الذكرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة (الاثنين 28 أكتوبر مركز الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية)
بسم الله الرحمن الرحيم   السيدة الدكتورة أنصاري، نائبة رئيس الجمهورية المحترمة ورئيسة منظمة حماية البيئة، السيد ستيفان بريزنر، المنسق المقيم المحترم لمنظمة الأمم المتحدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، السفراء المحترمون ومديرو وكالات الأمم المتحدة في إيران، الزملاء الأعزاء من وزارة الخارجية، السيدات والسادة الحضور الكرام،   نجتمع اليوم بمناسبة الذكرى الثمانين لاعتماد ميثاق منظمة الأمم المتحدة، لنتأمل، إلى جانب استذكار المبادئ والأهداف السامية لهذه المنظمة، وبالامتنان لجميع إنجازاتها الجماعية التي أشار السيد بريزنر إلى بعضها، في الوضع المضطرب الراهن والاتجاهات المقلقة السائدة على الصعيد الدولي؛ وهو وضع ناجم عن عدم التزام بعض القوى بأهم مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، ومسار يمكن أن يعرّض جميع المكاسب البشرية في كبح جماح القوة والعنف والعدوان للخطر والفناء.   أيها الحضور الكرام، إنّ منظمة الأمم المتحدة ليست مجرد أكبر وأشمل رمز للتفاعل والتعاون من أجل صون السلام، وتعزيز التعاون، وترسيخ احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وتعزيز التنمية ورفاه الشعوب؛ بل هي أيضًا رمز وعبرة للبشرية من آلام ومعاناة الأجيال السابقة. لقد تأسست الأمم المتحدة على رماد حرب عالمية مدمّرة، وبالتعلم من التجربة الفاشلة السابقة أي "عصبة الأمم" التي كانت بحد ذاتها محاولة لمنع تكرار مأساة الحرب العالمية الأولى. وليس من العبث أن تكون عبارة «إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب» قد تصدّرت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها أسمى فلسفة وغاية من غاياتها؛ كما جرى تحديد «صون السلم والأمن الدوليين» إلى جانب «تطوير العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وحق تقرير المصير للشعوب» كهدفين رئيسيين من أهداف المنظمة، وأُدرجت مبادئ أساسية مثل «حظر اللجوء إلى القوة أو التهديد بها»، و«الالتزام باحترام الواجبات والاتفاقيات الدولية»، و«التعهد بحل النزاعات بالوسائل السلمية» ضمن المادة الثانية من الميثاق.   إنّ احترام المساواة في الحقوق بين البشر والشعوب، الذي تجسّد في المبدأ الأساسي لحق الشعوب في تقرير مصيرها بوصفه أحد المبادئ الجوهرية في القانون الدولي، يقتضي منع أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، وبالأخصّ احترام سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها.   الأصدقاء الأعزاء، للأسف، فقد تعرّضت أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة منذ اللحظة الأولى لتأسيس المنظمة إلى الانتهاك والتعدي والتفسير المزاجي والاستغلال المتكرر من قبل أطراف لم تتمكن حتى اليوم من التحرر من ذهنية وتوهم «التفوّق الذاتي» الاستعماري. وهكذا، وبعد ثمانية عقود فقط من تأسيس منظمة كانت تجسّد الحلم الإنساني بالسلام والعدالة والكرامة، نجد عالمنا اليوم يواجه كابوس الحروب التي لا تنتهي، وتعمّ فيه مظاهر الظلم بمختلف أشكالها، وتُسحق فيه الكرامة الإنسانية تحت أقدام الجشع والعنصرية.   إذا ألقينا نظرة على تاريخ العلاقات الدولية خلال المئة عام الماضية، وتأملنا قليلاً في واقع العلاقات الدولية الراهن من غرب آسيا إلى الكاريبي وأمريكا اللاتينية، نجد أنّ الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، التي أدت إلى كوارث إنسانية كبرى وحروب مدمّرة، كانت دوماً صادرة عن قوى كبرى اعتبرت نفسها فوق قواعد القانون الدولي. وفي العقد الأخير تحديداً، استبدلت هذه القوى «المبادئ والقواعد القانونية الدولية» بترتيبات اعتباطية وأنانية ومتحوّلة تحت مسمى «النظام القائم على القواعد».   إنّ «الأحادية العدوانية» التي باتت اليوم نهج أمريكا وحلفائها في العلاقات الدولية، وجعلت العالم يعيش حالة غير مسبوقة من انعدام الأمن والفوضى، ليست إلا نتاجاً لهذه «القواعد المصطنعة» التي لا تخدم سوى أطماع غير مشروعة ومصالح غير قانونية. ففي عالم تحكمه هذه «القواعد»، يصبح استخدام القوة والتهديد والإرهاب أمراً طبيعياً، وتنعدم أي تبعات لانتهاك الاتفاقيات والالتزامات القانونية الدولية، وتُدعم الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان وارتكاب أبشع الجرائم الدولية – حتى بمستوى الإبادة الجماعية ومحو شعب بأكمله – ويُتغاضى عنها، وباختصار تُهدر كل المبادئ والغايات التي قامت عليها الأمم المتحدة بكل بساطة.   الحضور الكرام، ليس من المبالغة إن قلنا إنّ مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، والنظام المؤسسي المنبثق عنه، القائم على احترام القانون الدولي والمبادئ الأساسية مثل احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وحظر استخدام القوة، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وغيرها، لم تتعرض قط لمثل هذا القدر من الضغط والتحريف والانتهاك من قبل القوى التي أناط بها الميثاق، من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مهمة صون السلم والأمن الدوليين. ويجب القول بصراحة إنّ أمريكا وبعض حلفائها هم أكبر المنتهكين لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. ويكفي أن نتأمل في سلوك هذا البلد والطرف الذي، باعتراف صريح من رئيس أمريكا، يُعتبر "نائباً أو وكيلاً" له؛ ففي العامين الماضيين، وبينما يُرتكب في فلسطين المحتلة أضخم جريمة إبادة جماعية متواصلة في التاريخ، شنّ الكيان الصهيوني اعتداءات عسكرية على عدة دول، وارتكب أعمالاً إرهابية، واحتل أراضي دولتين. وقد جرى كل ذلك في ظل دعم وتواطؤ كامل من أمريكا وبعض الأطراف الأوروبية، بما أوجد نوعاً من الحصانة المطلقة للكيان الإسرائيلي المحتل، إلى حد أن واشنطن ذهبت إلى حدّ فرض عقوبات وتهديد قضاة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لمجرد قيامهم بالنظر في الجرائم المرتكبة في غزة.   وفي الجانب الآخر من العالم، في منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية، تستهدف الولايات المتحدة، بذريعة مكررة جُرّبت سابقاً في المنطقة ذاتها، السيادة الوطنية وحق تقرير المصير لفنزويلا وبعض الدول المستقلة الأخرى، والأسوأ من ذلك أنها حوّلت أراضي دولٍ مجاورة إلى قواعد لتنظيم والتحضير لاستخدام القوة ضد دولة أخرى؛ وهذا يمثل انتهاكاً صريحاً للعلاقات الودية وحسن الجوار بين شعوب كانت، في الظروف الطبيعية، تعيش بسلام واحترام متبادل. ولا شك أن التحركات الاستفزازية والتهديدات المستمرة التي تمارسها أمريكا ضد فنزويلا وكوبا وكولومبيا ونيكاراغوا والبرازيل وغيرها من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مدانة وتشكل انتهاكاً صارخاً للسلم والأمن الدوليين.   الحضور المحترمون، إنّ إيران كانت ولا تزال داعماً ثابتاً لمسار السلام والعدالة والكرامة الإنسانية والعلاقات الودية بين الشعوب، باعتبارها من المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة. صحيح أن كلتا الحربين العالميتين المدمرتين اندلعتا في الغرب وبدأتا من أوروبا، غير أن نيرانها امتدت لتشمل العالم بأسره، ولم يسلم بلدنا منها رغم إعلانه الحياد؛ بل ربما تضرّر أكثر من الأطراف التي أشعلت الحرب وشاركت فيها. ومن هذا المنطلق، سعت إيران بصدق وبدافعٍ إنساني حقيقي إلى بناء عالمٍ يمنع تكرار مثل تلك التجارب المريرة. ففي ما يتعلق بعصبة الأمم، حال المنتصرون في الحرب دون مشاركة إيران في مؤتمر الصلح بفرساي، رغم أنها انضمت لاحقاً إلى العصبة. لكن إيران أدّت دوراً مهماً في المفاوضات الخاصة بصياغة ميثاق الأمم المتحدة، وسعت تحديداً إلى تقييد حرية الدول في اللجوء إلى القوة، وطالبت بتعريف واضح لمفهوم "العدوان" في المادة 39 من الميثاق.   وعلى مدى ثمانية عقود، ورغم الانحيازات الواضحة التي برزت في إطار مجلس الأمن وبعض مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى، فإنّ إيران، بوصفها عضواً مسؤولاً وفاعلاً، ظلت تعمل على صون مبادئ وأهداف الميثاق. فمع أنّ الأمم المتحدة، تحت تأثير الولايات المتحدة وبعض حلفائها، وقفت عملياً إلى جانب المعتدي في الحرب الثمانية أعوام التي شنّها صدام ضد إيران، وأصدرت في العقود اللاحقة قرارات غير قانونية وجائرة بحقنا، وامتنعت قبل أشهر قليلة حتى عن إصدار بيانٍ بسيط يدين العدوان السافر الأمريكي والإسرائيلي على إيران، ورغم أنّها دأبت طوال الخمسين عاماً الماضية على إصدار قرارات وتقارير خاطئة بحق بلادنا تحت ذرائع "حقوق الإنسان"، فإنّنا لم نمزّق يوماً ميثاق الأمم المتحدة دلالةً على الرفض، ولم نصف المنظمة بأنها عديمة الجدوى، ولم نهدد قضاة المحاكم الدولية، ولم نصف الأمين العام بأنه "شخص غير مرغوب فيه". وهذا هو سلوك أمة أصيلة، بصيرة، كريمة، مقتدرة، تميز بين الأصالة الأخلاقية والإنسانية والقانونية، وبين استغلال تلك المبادئ لأغراض سياسية. وهي تدرك أن العالم الذي تُهمّش فيه القيم المشتركة الأخلاقية والإنسانية الضرورية لحياةٍ يسودها السلام والكرامة – وهي ذاتها القيم المكرسة في مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة – لن يكون إلا عالماً تحكمه الفوضى وانعدام الأمن والانحطاط الأخلاقي. وكما أشار الأمين العام في رسالته، فإنّ الوقت الآن ليس للانسحاب أو التراخي. نحن نؤمن بالعدالة، ونؤمن بأمم متحدة تكون الممثل الحقيقي لحقوق الشعوب.   وفي هذا اليوم، فلنكتفِ بمجرد تكرار المبادئ، بل لنجدد العهد على العمل من أجل تحقيقها، ولنصنع منظمة أمم متحدة قادرة، اليوم قبل الغد، على إنقاذ الجيل الحالي والأجيال المقبلة من ويلات الحرب.   وفي الختام، أود أن أتوجه بخالص الشكر للسيد بريزنر، المنسق المقيم المحترم للأمم المتحدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي تنتهي مهمته بعد أربع سنوات من الجهد الصادق والعمل الدؤوب في خدمة أهداف الأمم المتحدة وتعزيز التعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومختلف مؤسسات المنظمة. لقد أبدى السيد بريزنر خلال هذه السنوات تعاوناً مهنياً مخلصاً وبناءً مع زملائي في وزارة الخارجية، وكذلك مع باقي الجهات المعنية. نتمنى له من صميم قلوبنا كل التوفيق، وأن يواصل، في أي موقع يتولاه بعد مهمته الحالية، دوره المؤثر والناجح كما عهدناه دائماً. أشكركم جميعاً.    
© 2019 - economy@mfa.ir