Website logo
۱۴۴۱/۰۵/۱۲ - 15:58
مشاهده ۷۰۲

نص خطاب وزیر الخارجیة الدکتور ظریف فی "منتدى حوار طهران"

أنا الیوم ألتقی بکم فی حین أنّنی فقدتُ صدیقی الشجاع والحصیف والمفکّر والمثالی الفریق الشهید قاسم سلیمانی العزیز بفعل الأیدی الجانیة الأمریکیة والإرهاب الحکومی للولایات المتحدة،

بسم الله الرحمن الرحیم

السلام علیکم و رحمه الله

اعوذ بالله من الشیطان الرجیم

من المؤمنین رجال صدقوا، ما عاهدواالله علیه فمنهم من قضی نحبه و منهم من ینتظر

و ما بدلوا تبدیلا

صدق الله العلی العظیم

 

معالی السید بن علوی، فخامة السید کرزای،

أصحاب السعادة والسفراء المقیمین،

الضیوف الکرام،

السادة والسیدات،

بدایة أودّ أن أرحب بحضورکم فی طهران وفی هذا المبنى الّذی سیسمّى باسم الشهید العظیم الفریق قاسم سلیمانی من الیوم فصاعداً. کما أتقدّم بجزیل الشکر للقائمین على "منتدى حوار طهران" والمشارکین الّذین اجتموا فی أخطر ظروف لمنطقتنا من أجل تلاقح الأفکار للخروج من البارادیم الخطیر المکوّن من العدوان، والتطرّف والعنف، فأودّ أن أتبادل معکم المفکرین والمسالمین عدة نقاط.

أنا الیوم ألتقی بکم فی حین أنّنی فقدتُ صدیقی الشجاع والحصیف والمفکّر والمثالی الفریق الشهید قاسم سلیمانی العزیز بفعل الأیدی الجانیة الأمریکیة والإرهاب الحکومی للولایات المتحدة، فهذا الرجل العظیم الّذی اجتهد طوال عمره لنعیش نحن فی عالم أفضل وأکثر أمناً، التحق الیوم بالملکوت الأعلى بأیدی أشقى البشر، والشعب الإیرانی وجمیع الداعین إلى الاستقلال والمکافحین للاستعمار فی المنطقة مفجعون بهذا المصاب الجلل. لقد روّجت الولایات المتحدة باغتیال أحد المسؤولین العسکرین الکبار الإیرانیین، أسالیب جدیدة تطالها فی مستقبل قریب أم بعید فی أرجاء المعمورة.

وقد أثبتت الإدارة الأمریکیة للجمیع مرة أخرى أنّها لا تلتزم ولا تحترم المبادئ والقوانین الدولیة والقانونیة وأنواع الحصانات المعروفة، وهذا هو التوجه الذهانی والمنتهک للحقوق الدولیة الّذی یهدّد وبکلّ وقاحة، بالهجوم على التراث الثقافی الإیرانی الّذی یُعتبر التراث المشترک للحضارة والثقافة البشریتین.

إنّ الشهید الفریق قاسم سلیمانی کان "صدى" لاستقلال منطقة قد عانت منذ عقود من الظروف المستعصیة الناجمة عن تراکم المشاکل والمعضلات العویصة الّتی تکوّنت بفعل الشهوات اللامتناهیة لأسیاد القوة المال الدولیین وحلفائهم الجاهلین المنتهزین فی المنطقة. وما حدث فی الساعات الأولى لفجر الجمعة 13 دی (3 ینایر)، لم یکن هجوماً على السیادة الوطنیة العراقیة واغتیالاً همجیاً وجباناً للفریق الإیرانی العظیم فحسب، بل کان استهدافاً لاحدى رکائز "توفیر الأمن" فی هذه الرقعة الجغرافیة الّتی تعانی من المؤامرات المختلفة بما فیها القاعدة وداعش وجبهة النصرة، وهی عصابات خلقتها الإدارة الأمریکیة وأذیالها فی المنطقة وتعتبر هذه العصابات أمراء مثل قاسم سلیمانی، من ألدّ أعدائها.

فلا عجب أن یرتکب الرئیس الأمریکی الوقیح والفظ هذا الخطأ الإستراتیجی الناجم عن حماقته وغطرسته وأن یقوم باغتیال بطل مکافحة الإرهاب والتطرف وأعظم جنرال داعی للسلام فی المنطقة فی العقود الأخیرة، ولا شکّ أنّه قام بمقامرة کبیرة هذه المرة ولیعلم أنّ الوعد الإلهی سیتحقّق لا محالة وأنّ الحق هو المنتصر و"الله غالب على أمره".

أیها السادة والسیدات

أحد أهم المشاکل الّتی تعانی منها منطقتنا هی الانطباعات والحسابات الخاطئة الّتی کانت ولاتزال تؤثر على المعادلات الإقلیمیة بشکل عمیق، وأنا أکّدت مراراً وتکراراً أنّ هذا الخلل المعرفی وسوء الحسابات الناجمة عنه، یُعتبر من أهمّ جذور الأزمة الحالیة للمنطقة.

وقد أثبتت الإدارة الأمریکیة مرة أخرى أنّها تخطو خطوات خطیرة فی زعزعة أمن العالم وفی نهایة المطاف بلدها من خلال سوء تقدیرها وانطباعاتها الخاطئة للأوضاع الداخلیة الإیرانیة والإقلیمیة. ومن أبرز مظاهر سوء التقدیر والانطباعات الخاطئة لواشنطن بالنسبة إلى إیران والمنطقة هو الحزن والکرب العمیقین المهیمنین على شعوب المنطقة والعالم الإسلامیة وخاصة التشییع الشعبی ومنقطع النظیر للشعبین الإیرانی والعراقی للجثامین المطهرة للفریق الشهید سلیمانی ورفاقه الخالدین بما فیهم الشهید أبو مهدی المهندس. أرجو الاهتمام بهذه الإحصائیات، فی عهد رئیس الجمهوریة الحالی للولایات المتحدة ارتفعت نفقات السیاسة الخارجیة للإدارة الإمریکیة فی منطقة غرب آسیا بمعدّل تریلیون دولار لیبلغ 8 تریلیونات دولار، وهذا العدد یُضاف إلى الدماء والأرواح البریئة الّتی سُفکت وفُقدت بفعل سوء الحسابات هذا.

أستبعد أن یخفى على أحد أنّ رؤساء الولایات المتحدة والرئیس الحالی ترامب، أحرقوا المنطقة والعالم وسفکوا الدماء من أجل تحقیق الأهداف الحمقاء لسیاستهم الخارجیة، ومع الأسف الشدید نحن نواجه الیوم أکبر کذب تاریخی وهو أنّ الولایات المتحدة تحاول تحقیق الخیر والسلام والأمن فی المنطقة والعالم من خلال قیامها بالمجازر وسفک الدماء.

إنّ منطقتنا تعانی من الحرب اللامتناهیة والتطرف والعنف بسبب الاعتداءات اللامتناهیة للإدارة الأمریکیة والحروب الّتی نشبت خلال السنوات الأخیرة. وبسبب توجهات وسلوک الولایات المتحدة وأذیالها فی المنطقة، قد تحوّلت الحرب الّتی تُعتبر استثناء فی العلاقات الدولیة إلى معیار وقاعدة فی منطقتنا مع الأسف الشدید، وهذه حلقة مفرغة یجب کسرها على أیدی نشطاء المنطقة وجمیع الملتزمین بالسلام والاستقرار.

ومع الأسف الشدید إنّ الخلل المعرفی وسوء الحسابات لا ینحصران فی الولایات المتحدة، وهناک حلفاء ومتعاونون إقلیمیون لها یتبنّون نفس المسار الخاطئ والمأسوی بسبب الاعتماد المطلق على الأجانب وشراء الشرعیة والأمن من الخارج، وتبنّی هذا المسار قد أدى إلى ظهور شروخ وحروب تُشهد الیوم أکثر من أی زمن مضى: من معرکة القواعد إلى صراع الاستراتیجیات.  

والأمر الأکثر إثارة للأسف أن الشروخ والصراعات الراهنة فی المنطقة، قد وفّرت المتنفّس لقوى الشرّ داخل المنطقة وخارجها وهذه القوى تستغلّ الظروف الموجودة وتوسّع تواجدها العسکری غیر المشروع وغیر القانونی من خلال اختلاق تهدیدات مزورة وزعزعة الأمن المصطنعة وأهم تجلیات هذا التواجد هی المعاناة اللامتناهیة للشعوب المظلومة لدول المنطقة بما فیها أفغانستان، والعراق وسوریا والیمن ولیبیا. والبعد الآخر لهذه السیاسات التخریبیة والمؤججة للحروب هو بیع مئات الملیارات من الأسلحة المدمّرة للمنطقة حیث یساوی ربع إجمالی بیع الأسلحة فی العالم.

أیها الحضور الکرام

إنّ الاضطرابات وحالات القصور الّتی نشهدها فی المنطقة فی الوقت الراهن، بما فیها مجاعة "الحوار الإقلیمی" إلى انعدام التعاون المنظم والمؤسس، عبارة عن مظاهر واضحة لهذه الحقیقة وهی أنّ الوضع فی المنطقة لا یسیر نحو التحسّن، وقد یکون هذا التراکم والتعمّق للأزمات للبعض بمثابة وصول المنطقة إلى طریق مسدود نظریاً وعملیاً.

وأنا کوزیر الخارجیة للجهوریة الإسلامیة الإیرانیة أعتقد بالرغم من أنّ حلّ الأزمات الراهنة تبدو صعب المنال، إلّا أنّها "قریبة وفی متناول الأیدی".

وإذا أردنا تحویل "صعب المنال" إلى "متناول الأیدی" نحتاج إلى إرادة سیاسیة واستجماع القدرات الإقلیمیة، إضافة إلى تغییر بارادیمی، وهذا التغییر یتطلّب الشجاعة إلى جانب سعی جماعی.

إن البارادیم الّذی حُمّل على المنطقة وتتمّ إعادة إنتاجها من قبل البعض واعین أم غیر واعین، یتمثّل فی هذا المبدأ أنّ الأسلحة الأمریکیة والحرب تجلب الأمن. إلّا أنّنی أعتقد أنّ العامل الّذی یجلب الأمن للرقعة الجغرافیة لغرب آسیا والخلیج الفارسی ویوفّر السلام المستدام فیها، هو تعزیز الترابط الإقلیمی، والتفاهم المشترک والعلاقات المعتمدة على التعاون.

والحجر الأساس لأیة تحرک ذی مغزى فی المنطقة یوضع على أساس الفهم المتبادل والفهم المتبادل یتطلّب الحوار. وما تحتاج إلیه المنطقة أکثر من أی زمن مضى، هو حوار إقلیمی واسع وشامل، وهذا هو أساس المبادرة الّتی تابعت إیران إقرارها فی الأمم المتحدة خلال سنوات طویلة وطرحها فخامة رئیس الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة تحت عنوان مبادرة هرمز للسلام.

تأخذ هذه المبادرة حقائق المنطقة بعین الاعتبار وتؤمن بأن تحقیق هیکلة جدیدة وشاملة بعیدة عن لغة العدوان والتهدید الّتی أورثها الاستعمار لهذه المنطقة، لیس "ممکناً" فحسب، بل إنّه الأمر "الأکثر ضرورة" ویجب على الجمیع بذل الجهود لتحقیق هذه الخطوة. وهذا هو المنطق واللغة الّذین یکرههما أصحاب القوة والمال الّذین یرون مصالحهم فی الحروب والصراعات ویبذلون قصارى جهودهم لتصدیهما ولو کان بارتکاب الاغتیالات.

 

 

 

 

أیها السادة والسیدات

إنّ المسار الّذی تتبنّاه الولایات المتحدة لنفسها وللمنطقة هو مسار زعزعة الأمن وتأجیج الحروب وسفک الدماء، لکنّ إیران بوصفها الصدى الواحد الصاعد من قلوب أبناء هذه الرقعة القدیمة المتجذرة والباعثة على المباهاة، تدعو إلى السلام والاستقرار فی المنطقة.

لا شکّ أنّ المصیر الحتمی لاستخدام واشنطن العشوائی للأدوات الحربیة والعقوبات والاغتیالات هو طرد الولایات المتحدة من منطقة غرب آسیا، وأنّ الإدارة الأمریکیة سیتلقّى الردّ الحاسم والقطعی لوقاحتها فی زمن وموقع یحمّلانها أقصى مدى من التوجّع والتألم، إلّا أنّنی أودّ أن أبعث هذه الرسالة للمنطقة بوصفی وزیر الخارجیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة أنّ طهران ستبقى رکیزة للسلام والأمن ومحوراً للتنمیة فی المنطقة، وأنّ الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ترغب فی الحلول وینبغی لکافة دول المنطقة أن تکون محور الحلول فی الملفات الإقلیمیة المتعددة.

ومن الجلیّ أنّ تبنّی هذا المسار یتطلّب تعاون کافة الدول المجاورة واتخاذ خطوات واضحة من قبل الجمیع، حیث أنّه لا یمکن تحقیق الأمن بواسطة عرقلة شؤون الدول الجارة. نحن نؤمن بمبدأ الأمن للجمیع.

نحن الآن فی منطعف هام فی تاریخ المنطقة والعالم حیث یتعیّن علینا التخلی عن بارادیم الإقصاء واختلاق الأعداء المعتمد على أوهام شراء الأمن والتنمیة من الخارج –والّذی لم تکن ثمرتها إلّا الحروب وزعزعة الأمن لمنطقتنا وللعالم- وتبنّی بارادیم التقارب والتضافر الإقلیمی – والّذی یُعتبر الطریقة الحقیقیة الوحیدة للخروج من سلسلة الأزمات الراهنة- للانطلاق نحو مستقبل واعد ومزدهر بآفاق مشرقة للأجیال القادمة. وهکذا سیتحقّق أکبر أمنیات أخی الشهید الفریق قاسم سلیمانی.

وشکراً لحسن استماعکم.

 

متن دیدگاه
نظرات کاربران
تاکنون نظری ثبت نشده است